فصل: تفسير الآيات (1- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (47- 54):

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} أي علم قيامها يرد إليه أي يجب على المسؤول أن يقول الله يعلم ذلك {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات} مدني وشامي وحفص وغيرهم بغير ألف {مِّنْ أَكْمَامِهَا} أوعيتها قبل أن تنشق جمع (كم) {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى} حملها {وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} أي ما يحدث شيء من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع إلا وهو عالم به، يعلم عدد أيام الحمل وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة والحسن والقبح وغير ذلك {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِى} أضافهم إلى نفسه على زعمهم وبيانه في قوله {أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ} وفيه تهكم وتقريع {قَالُواْ ءَاذَنَّاكَ} أعلمناك وقيل أخبرناك وهو الأظهر إذ الله تعالى كان عالماً بذلك وإعلام العالم محال، أما الإخبار للعالم بالشيء فيتحقق بما علم به إلا أن يكون المعنى إنك علمت من قلوبنا الآن إنا لنشهد تلك الشهادة الباطلة، لأنه إذا علمه من نفوسهم فكأنه أعلموه.
{مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} أي ما منا أحد اليوم يشهد بأن لك شريكاً وما منا إلا من هو موحد لك، أو مامنا من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم لا يبصرونها في ساعة التوبيخ. وقيل: هو كلام الشركاء أي ما منا من شهيد يشهد بما أضافوا إلينا من الشركة {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} يعبدون {مِن قَبْلُ} في الدنيا {وَظَنُّواْ} وأيقنوا {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} مهرب. {لاَّ يَسْئَمُ} لا يمل {الإنسانث} الكافر بدليل قوله {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} {مِن دُعَآءِ الخير} من طلب السعة في المال والنعمة والتقدير من دعائه الخير فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول {وَإِن مَّسَّهُ الشر} الفقر {فَيَئُوسٌ} من الخير {قَنُوطٌ} من الرحمة بولغ فيه من طريقين: من طريق بناء فعول، ومن طريق التكرير. والقنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر أي يقطع الرجاء من فضل الله وروحه وهذا صفة الكافر بدليل قوله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] {وَلَئِنْ أذقناه رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِى} وإذا فرجنا عنه بصحة بعد مرض أو سعة بعد ضيق قال هذا لي أي هذا حقي وصل إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير وفضل وأعمال بر، أو هذا لي لا يزول عني {وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أي ما أظنها تكون قائمة {وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى رَبِّى} كما يقول المسلمون {إِنَّ لِى عِندَهُ} عند الله {للحسنى} أي الجنة أو الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة قائساً أمر الآخرة على أمر الدنيا {فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ} فلنخبرنهم بحقيقة ما علموا من الأعمال الموجبة للعذاب {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد لا يفتر عنهم.
{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ} هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة فنسي المنعم وأعرض عن شكره {وَنَئَا بِجَانِبِهِ} وتباعد عن ذكرالله ودعائه أو ذهب بنفسه وتكبر وتعظم، وتحقيقه أن يوضع جانبه موضع نفسه لأن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة نفسه ومنه قول الكتاب كتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قال: ونأى بنفسه {وَإِذَا مَسَّهُ الشر} الضر والفقر {فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} كثير أي أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع. وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام كما استعير الغلظ لشدة العذاب، ولا منافاة بين قوله {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} وبين قوله {فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} لأن الأول في قوم والثاني في قوم، أو قنوط في البر وذو دعاء عريض في البحر، أو قنوط بالقلب ذو دعاء عريض باللسان، أو قنوط من الصنم ذو دعاء لله تعالى.
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أخبروني {إِن كَانَ} القرآن {مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} ثم جحدتم أنه من عند الله {مَنْ أَضَلُّ} منكم إلا أنه وضع قوله {مِمَّنْ هُوَ في شِقَاقٍ بَعِيدٍ} موضع (منكم) بياناً لحالهم وصفتهم {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الآفاق} من فتح البلاد شرقاً وغرباً {وَفِى أَنفُسِهِمْ} فتح مكة {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} أي القرآن أو الإسلام {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} موضع {بِرَبّكَ} الرفع على أنه فاعل والمفعول محذوف وقوله {أَنَّهُ على كُلّ شَئ شَهِيدٌ} بدل منه تقديره أولم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد أي أولم تكفهم شهادة ربك على كل شيء، ومعناه أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيد. {أَلاَ إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ} شك {مِّن لّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَئ مُّحِيطُ} عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها فلا تخفى عليه خافية فيجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم.

.سورة الشورى:

.تفسير الآيات (1- 11):

{حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
فصل {حم} من {عسق} كتابة مخالفاً ل {كهيعص} تلفيقاً بأخواتها ولأنه آيتان و{كهيعص} آية واحدة {كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ} أي مثل ذلك الوحي أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك {وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} وإلى الرسل من قبلك {الله} يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله وفي غيرها من السور، وأوحاه إلى من قبلك يعني إلى رسله. والمعنى أن الله كرر هذه المعاني في القرآن وفي جميع الكتب السماوية لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس من نبي صاحب كتاب إلا أوحي إليه ب {حم عسق}. {يُوحَى} بفتح الحاء: مكي. ورافع اسم الله على هذه القراءة ما دل عليه {يُوحَى} كأن قائلاً قال: من الموحي؟ فقيل: الله {العزيز} الغالب بقهره {الحكيم} المصيب في فعله وقوله {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} ملكاً وملكاً {وَهُوَ العلى} شأنه {العظيم} برهانه.
{تَكَادُ السماوات} وبالياء: نافع وعلي. {يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ} يتشققن، {ينفطرن}: بصري وأبو بكر ومعناه يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته يدل عليه مجيئه بعد قوله {العلى العظيم} وقيل: من دعائهم له ولداً كقوله {تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 90] ومعنى {مِن فَوْقِهِنَّ} أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية. وكان القياس أن يقال ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها كلمة الكفر لأنها جاءت من الذين تحت السماوات، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كأنه قيل: يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن مع الجهة التي تحتهن. وقيل: من فوقهن من فوق الأرض فالكناية راجعة إلى الأرض لأنه بمعنى الأرضين. وقيل: يتشققن لكثرة ما على السماوات من الملائكة، قال عليه السلام: «أطت السماء أطاً وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد» {والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} خضوعاً لما يرون من عظمته {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في الأرض} أي للمؤمنين منهم كقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} [غافر: 7] خوفاً عليهم من سطواته أو يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات حامدين له على ما أولاهم من ألطافه، متعجبين مما رأوا من تعرضهم لسخط الله تعالى، ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الذين تبرءوا من تلك الكلمة، أو يطلبون إلى ربهم أن يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب {أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم} لهم {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} أي جعلوا له شركاء وأنداداً {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} رقيب على أقوالهم وأعمالهم لا يفوته منها شيء فيجازيهم عليها {وَمَآ أَنتَ} يا محمد {عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بموكل عليهم ولا مفوض إليك أمرهم إنما أنت منذر فحسب.
{وكذلك} ومثل ذلك {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} وذلك إشارة إلى معنى الآية التي قبلها من أن الله رقيب عليهم لا أنت بل أنت منذر لأن هذا المعنى كرره الله في كتابه أو هو مفعول به ل {أَوْحَيْنَا} {قُرْءَاناً عَرَبِيّاً} حال من المفعول به أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربي بيّن {لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى} أي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ولأنها أشرف البقاع والمراد أهل أم القرى {وَمَنْ حَوْلَهَا} من العرب {وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع} يوم القيامة لأن الخلائق تجتمع فيه {لاَ رَيْبَ فِيهِ} اعتراض لا محل له، يقال: أنذرته كذا وأنذرته بكذا. وقد عدي {لّتُنذِرَ أُمَّ القرى} إلى المفعول الأول {وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع} إلى المفعول الثاني {فَرِيقٌ في الجنة وَفَرِيقٌ في السعير} أي منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في السعير، والضمير للمجموعين لأن المعنى يوم جمع الخلائق.
{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحدة} أي مؤمنين كلهم {ولكن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ في رَحْمَتِهِ} أي يكرم من يشاء بالإسلام {والظالمون} والكافرون {مَا لَهُمْ مِّن وَلِىٍّ} شافع {وَلاَ نَصِيرٍ} دافع {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فالله هُوَ الولى} الفاء لجواب شرط مقدر كأنه قيل بعد إنكار كل ولي سواه إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق، وهو الذي يجب أن يتولى وحده لا ولي سواه. {وَهُوَ يُحْىِ الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ} فهو الحقيق بأن يتخذ ولياً دون من لا يقدر على شيء {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَئ} حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أي ما خالفتكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمر من أمور الدين {فَحُكْمُهُ} أي حكم ذلك المختلف فيه مفوض {إِلَى الله} وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين {ذلكم} الحاكم بينكم {الله رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فيه رد كيد أعداء الدين {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أرجع في كفاية شرهم. وقيل: وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا: الله أعلم كمعرفة الروح وغيره.
{فَاطِرُ السماوات والأرض} ارتفاعه عل أنه أحد أخبار {ذلكم} أو خبر مبتدأ محذوف {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} خلق لكم من جنسكم من الناس {أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا} أي وخلق للأنعام أيضاً من أنفسها أزواجاً {يَذْرَؤُكُمْ} يكثركم. يقال: ذرأ الله الخلق بثهم وكثرهم {فِيهِ} في هذا التدبير وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل، واختير {فِيهِ} على (به) لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير.
والضمير في {يَذْرَؤُكُمْ} يرجع إلى المخاطبين والأنعام مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ} قيل: إن كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفي التماثل وتقديره ليس مثله شيء. وقيل: المثل زيادة وتقديره ليس كهو شيء كقوله تعالى: {فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137]. وهذا لأن المراد نفي المثلية، وإذا لم تجعل الكاف أو المثل زيادة كان إثبات المثل. وقيل: المراد ليس كذاته شيء لأنهم يقولون (مثلك لا يبخل) يريدون به نفي البخل عن ذاته ويقصدون المبالغة في ذلك بسلوك طريق الكناية، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده فقد نفوه عنه فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله (ليس كالله شيء) وبين قوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ} إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكأنهم عبارتان متعقبتان على معنى واحد وهو نفي المماثلة عن ذاته ونحوه {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] فمعناه بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط لها، لأنها وقعت عبارة عن الجود حتى إنهم استعملوها فيمن لا يد له فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له {وَهُوَ السميع} لجميع المسموعات بلا أذن {البصير} لجميع المرئيات بلا حدقة، وكأنه ذكرهما لئلا يتوهم أنه لا صفة له كما لا مثل له.

.تفسير الآيات (12- 22):

{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
{لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض} مر في (الزمر) {يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ} أي يضيق {إِنَّهُ بِكُلِّ شَئ عَلِيمٌ شَرَعَ} بين وأظهر {لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى} أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء عليهم السلام، ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله {أَنْ أَقِيمُواْ الدين} والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء بإقامته مسلماً، ولم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} [المائدة: 48]. ومحل {أَنْ أَقِيمُواْ} نصب بدل من مفعول {شَرَعَ} والمعطوفين عليه، أو رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع؟ فقيل: هو إقامة الدين {وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} ولا تختلفوا في الدين قال علي رضي الله عنه: لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب. {كَبُرَ عَلَى المشركين} عظم عليهم وشق عليهم {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من إقامة دين الله والتوحيد {الله يَجْتَبِى} يجتلب ويجمع {إِلَيْهِ} إلى الدين بالتوفيق والتسديد {مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} يقبل على طاعته {وَمَا تَفَرَّقُواْ} أي أهل الكتاب بعد أنبيائهم {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم} إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء عليهم السلام {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسداً وطلباً للرياسة والاستطالة بغير حق {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهي {بل الساعة موعدهم} {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لأهلكوا حين افترقوا لعظم ما اقترفوا {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ} هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ} من كتابهم لا يؤمنون به حق الإيمان {مُرِيبٍ} مدخل في الريبة. وقيل: وما تفرق أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة} {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ} [الشورى: 14]. هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل.
{فَلِذَلِكَ} فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعباً {فادع} إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية {واستقم} عليها وعلى الدعوة إليها {كَمَا أُمِرْتَ} كما أمرك الله {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} المختلفة الباطلة {وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ الله مِن كتاب} بأي كتاب صح أن الله تعالى أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض كقوله: {وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون حَقّاً} [النساء: 150-151] {وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ} في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} أي كلنا عبيده {لَنَآ أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم} هو كقوله {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} [الكافرون: 6] ويجوز أن يكون معناه إنا لا نؤاخذ بأعمالكم وأنتم لا تؤاخذون بأعمالنا {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي لا خصومة لأن الحق قد ظهر وصرتم محجوبين به فلا حاجة إلى المحاجة، ومعناه لا إيراد حجة بيننا لأن المتحاجين يورد هذا حجته وهذا حجته {الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} يوم القيامة {وَإِلَيْهِ المصير} المرجع لفصل القضاء فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم {والذين يُحَآجُّونَ في الله} يخاصمون في دينه {مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ} من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام ليردوهم إلى دين الجاهلية كقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إيمانكم كُفَّارًا} [البقرة: 109]. كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين: كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم وأولى بالحق. وقيل: من بعد ما استجيب لمحمد عليه السلام دعاؤه على المشركين يوم بدر {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} باطلة وسماها حجة وإن كانت شبهة لزعمهم أنها حجة {عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} بكفرهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة.
{الله الذي أَنزَلَ الكتاب} أي جنس الكتاب {بالحق} بالصدق أو ملتبساً به {والميزان} والعدل والتسوية. ومعنى إنزال العدل أنه أنزله في كتبه المنزلة. وقيل: هو عين الميزان أنزله في زمن نوح عليه السلام {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} أي لعل الساعة قريب منك وأنت لا تدري والمراد مجيء الساعة، أوالساعة في تأويل البعث. ووجه مناسبة اقتراب الساعة مع إنزال الكتب والميزان أن الساعة يوم الحساب ووضع الموازين بالقسط فكأنه قيل: أمركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع فاعملوا بالكتاب والعدل قبل أن يفاجئكم يوم حسابكم ووزن أعمالكم. {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} استهزاء {والذين ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ} خائفون {مِنْهَا} وجلون لهولها {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق} الكائن لا محالة {أَلآ إِنَّ الذين يُمَارُونَ في الساعة} المماراة الملاحّة لأن كل واحد منهما يمري ما عند صاحبه {لَفِى ضلال بَعِيدٍ} عن الحق لأن قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله تعالى، وقد دل الكتاب والسنة على وقوعها، والعقول تشهد على أنه لابد من دار جزاء.
{الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} في إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف إدراكه وهو بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم. وقيل: هو من لطف بالغوامض علمه وعظم عن الجرائم حلمه، أو من ينشر المناقب ويستر المثالب، أو يعفو عمن يهفو، أو يعطي العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعة دون الطاقة.
وعن الجنيد: لطف بأوليائه فعرفوه ولو لطف بأعدائه ما جحدوه {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} أي يوسع رزق من يشاء إذا علم مصلحته فيه، في الحديث: «إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغني ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك» {وَهُوَ القوى} الباهر القدرة الغالب على كل شيء {العزيز} المنيع الذي لا يغلب. {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة} سمى ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة حرثاً مجازاً {نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ} بالتوفيق في عمله أو التضعيف في إحسانه أو بأن ينال به الدنيا والآخرة {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا} أي من كان عمله للدنيا ولم يؤمن بالآخرة {نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي شيئاً منها لأن (من) للتبعيض وهو رزقه الذي قسم له لا ما يريده ويبتغيه {وَمَا لَهُ في الآخرة مِن نَّصِيبٍ} وماله نصيب قط في الآخرة وله في الدينا نصيب، ولم يذكر في عامل الآخرة أن رزقه المقسوم يصل إليه للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب {أَمْ لَهُمْ شركاؤا} قيل: هي {أم} المنقطعة وتقديره بل ألهم شركاء. وقيل: هي المعادلة لألف الاستفهام. وفي الكلام إضمار تقديره أيقبلون ما شرع الله من الدين أم لهم آلهة {شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} أي لم يأمر به؟ {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء أي ولولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بين الكافرين والمؤمنين أو لعجلت لهم العقوبة {وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وإن المشركين لهم عذاب أليم في الآخرة وإن أخر عنهم في دار الدنيا {تَرَى الظالمين} المشركين في الآخرة {مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا كَسَبُواْ} من جزاء كفرهم {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} نازل بهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات في روضات الجنات} كأن روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها وأنزهها {لَهُم مَّا يَشَآءَونَ عِندَ رَبِّهِمْ} {عند} نصب بالظرف لا بـ {يشاؤون} {ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} على العمل القليل.